أدخل كلمة للبحث

مع جول فيرن باتجاه إفريقيا


فذلكة
المؤتمر الاوروبي السنوي للخيال العلمي والذي تحول الى تظاهرة عالمية بشكل ما اتخذ له هذا العام مدينة آميان الفرنسية عاصمة يرسو بها. آميان مدينة سياحية جميلة جدا معروفة أيضا بكونها مدينة جول فيرن أبي الخيال العلمي. 
ضيف الشرف هذا العام هو الخيال العلمي الافريقي، مع محاضرة كان لي حظ تقديمها باللغة الفرنسية حول الأدب الجزائري تحديدا كأدب معول عليه لتمثيل هذا النوع من التخييل، في حين تدخل كل البلدان الأخرى تحت خانة الإفريقي؛ خانة احتوت حتى نمطا من كتابات الزنوج الأمريكان داكني البشرة من الذين يتسمون عموما آفروأميريكانز...
تنويعات
حينما تقضي أربعة أيام في تأمل ومناقشة هذه المسائل تطرح عليك أسئلة كثيرة لم يكن جول فيرن يتوقع طرحها، وهو الرجل المتبصر الذي توقع كل شيء تقريبا. لم تبلغ قدرته على الاستبصار  نقطة الحد الكافي اللازم لتوقع كل ما حدث لقارة إفريقيا. قارة عاشت مطولا على أساس كونها ولاية متعددة الأسماء...كل بلد أوروبي يسميها باسم...
لماذا تغير إفريقيا في الوعي الأوروبي أسماءها؟ لكي لا يكون لها اسم أصلا. وما لا اسم له إما انه في العدم أو في دائرة الوحوش المنبوذين...
على ذكر الخيال العلمي: أليس أشهر شخص عديم الاسم هو وحش فرنكنشتاين؟..
كانت إحدى المسائل الأشد جدلا هي السؤال: "ما الذي يجعل الخيال العلمي إفريقيا"؟ أصول مؤلفه؟ سيكون ما كتبه بوعلام صنصال مؤخرا حول "2084 أو نهاية العالم" خ ع إفريقيا آنذاك...وهذا ما يبدو مستبعدا لأول وهلة.
هل هي موضوعات بعينها ألفناها كموضوعات تحيل على كل ما هو إفريقي؟...هل هو خ ع الذي يكتبه بيض الجزائر ومصر وإفريقيا الجنوبية؟...هل هو ما أكتبه انا؟
سأقص قصة طريفة وقعت لي شخصيا تلخص الأمور بشكل طريف.
منذ عام ونيف كانت مجلة "غالاكسي" الفرنسية المحترمة بصدد التحضير لعدد خاص حول "الخيال العلمي الإفريقي" وسألني مدير التحرير إن كان لي نص يصلح لذلك فأعطيته قصة كنت قد كتبتها بالفرنسية عنوانها "مغتصب بغداد" وهو عنوان فيه إحالة تناصية جميلة مع عنوان قصة "لص بغداد" الشهيرة، إذ إن الفرق بين العنوانين بالفرنسية هو حرف واحد فحسب: le voleur de Bagdad/le violeur de Bagdad...وهي قصة خيالية علمية تقع أحداثها في بغداد في القرن العاشر للميلاد...
بعد قراءتها أخبرني المدير برأي رئيسة التحرير التي يبدو انها قد قالت: هي قصة تصلح لعدد خاص بالخيال العلمي الآسيوي...علقت له بمرح معين: لازلت إفريقيا للأسف الشديد فانا جزائري والجزائر إلى غاية أجل غير معروف بلد إفريقي.
مؤخرا التقيت برئيسة التحرير الخاصة بالعدد (وهي سيدة زنجية فرنسية المولد) فقالت لي إنها تذكر بأن الموضوع لم يوح إليها بإفريقيا.
من هنا يمكننا إعادة طرح السؤال بشكل أكثر إحراجا: هل إفريقيا المستقبلية – بما أنه موضوع الخيال العلمي الأثير- هي إفريقيا التي نحلم بها؟ أم التي نتمنى بقاءها؟ أم إفريقيا التي نخشى منها ونحن نقول إننا نخشى عليها؟ هل هي إفريقيا التي يكتبها زنوج أميركا؟
كان لي حديث هام مع كاتبة في غاية الأهمية "صوفيا ساماطار" وهي زنجية أميريكية الأم إفريقية الأب زوجها أشقر وابنها هجين...كان حديثنا حول إفريقية عملها، وأخبرتني بأن لها مفهوما هجينا لإفريقيتها. سألتها : هل هو مفهوم "الآفروأميريكنز" الأمريكان ملوني البشرة؟ قالت لي: لا...هو مفهوم تبقى إفريقيا فيه اشد حضورا...فهي لا تحضر كلون بشرة أو كحلم واستيهامات بعيدة كما هي حال الأميريكيين ذوي البشرة السمراء، والواقه هو أن أباها ولد بإفريقيا وهي عملت بمصر لتسع سنوات وتتكلم العربية المصرية بطلاقة و"تعرف القارة جيدا" كما تقول...تحضر إفريقيا عندها  كصورة نابضة متحركة متناقضة ليس فيها تكلس وكاريكاتورية وثبات... إفريقيا الحاضرة وليست إفريقيا الآتية من استيهامات الغرب الاستعماري وأدبيات الرحالة المتعالين على المكان.

زبدة القول

في تصور مستقبلي اجترحه الكاتب والفيلسوف موسى ولد ابنو في روايته "الحب المستحيل" يتصور مستقبلا فيه صورة لعالم ناصع، كارثي بسبب انشقاق البشر الى جبهتين:  رجال ونساء بينهما برزخ لا يبغيان..ولكنه عالم لا تطرح فيه مسألة العرق الملون والعرق النقي، وليس للمولد ومكانه وتاريخه صلة بالموقع الاجتماعي. وصف أحد الحضور الرواية بأنها تنتمي إلى صنف نيويوركي من التخييل. وكانت الإحالة على مرحلة عاشها الكاتب الموريطاني بنيويورك.
السؤال الذي ظل عالقا هو: هل أن مستقبل إفريقيا في الخيال العلمي هو إما جزء من تاريخها وإما جزء من تاريخ العالم الأبيض؟
وماذا لو كان المستقبل خاليا من اللون أصلا؟...أم أنه مستقبل لا يناسب الرجل الأبيض؟
في علم الألوان يعد الأبيض قيمة لونية وليس لونا... بناء على هذا، هل يكون المستقبل أكثر وفاء لهذا الاعتبار الاستيطيقي والفيزيائي مما كان عليه التاريخ الذي رأف بالزنجي فسماه: الرجل الملون. تسمية اعتذارية لبشرية لم تتخلص من عقدة الألوان التي تثقل فكرها. عقدة قد يكون حلها الخروج من اللون إلى القيمة اللونية؛ لكي نتجاوز عالم الألوان إلى عالم القيم. ولكنها مسألة أخرى تحتاج إلى رحلة جديدة من رحلات جول فيرن.
فيصل الأحمر

شكرا لك ولمرورك